مجموعة فكرية من طلبة الصوماليين المقيمين في السودان


اضاءات حول كتاب "جماليّة الدين"


تمهيد:
في زمن بلغت فيه الأزمة الفكرية أوجّها واستفحل امرها وامتدت امتدادا بغيضا جعلها تبسط ظلها على جوانب التصور والإعتقاد والمنهج والمصادر!، وصارت الأزمة الثقافية تسير بقدم وساق لهدم مصومات الأمة وفاعليتها واضطربت الأفهام وانقلبت الموازين وضاعت القيم والاخلاق وتنوعت المشارب التي تشكل عقلية المسلم بتعدد المناهج!، واصبح كل شخص يتلقى بتوجهات فكرية من شتى الطرق ويسقي عقله من مختلف الينابيع بدون تفحص وتدقق مما جعل عقله وعاء يجمع فيه كل فكرة وكل خاطرة ولو كانت مخالفة تماما للشريعة الإسلامية التي ينتسب اليها ويتمسك بها.
صاحب الكتاب:
صاحب الكتاب هو الدكتور فريد الأنضاري ولد بإقليم الرشيديّة جنوب شرق المغرب سنة 1380ه الموافق 1960م وقد حصل على دكتورة الدولة في الدراسات الإسلامية من جامعة الحسن الثاني بكلية الآداب، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد الخامس، وقد نال بجائزة في الدراسات الإسلامية من جامعة السلطان محمد بن عبدالله بالمغرب.
وقد صدر للدكتور فريد الأنصاري العديد من الكتب الإسلامية التي تعالج قضايا الأمة الإسلامية بمفهوم واقعي منها: التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، أبجديات البحث في العلوم الشرعية، قناديل الصلاة، سيماء المرءة في الإسلام بين النفس والصورة، مفهوم العالميّة، الفطريّة، جماليّة الدين وغيرهم.
محتوى الكتاب:
ذكر فضيلة الدكتور فريد الأنصاري -صاحب الكتاب- بالنوايا الطيبة التي أجبرته بكتابة أسطر عن (جمالية الدين من معارج القلب الى حياة الروح) وكأن المؤلف يجعل اساس الجمال وجذوره تنبت من القلب وانساقت أغصانها في دروب الروح الى عالم الفضاء الفسيح!، وصرح الشيخ بأن التشوه والانحراف الذي اعتري التدين في الأونة الأخيرة كاد أن يوهم البشرية بانتفاء "جمالية الدين" فكان حقا عليه بوضع عين الاعتبار في هذا المجال وبإيضاحه يتضح كل شيء يتعلق بأمور الدين لذا حمل الشيخ عناء التدقيق في تفصيل الفروق بين التدين والدين في أول صفحات من كتابه، "فالتدين من حيث هو تجربة بشرية قد لايكون جميلا بالضرورة!، ﻷنه ببساطة كسب الانسان، والإنسان مهيأ بالخير والشر معا ولوجاء ذالك في ثوب الدين وأشكاله وهنا مكمن للخطر!، أما جمالية الدين فهي التي تفيض بأنوارها على جمالية التدين لا العكس!".
وقد عاين فضيلة الدكتور فريد الانصاري شبحا يهدد جمالية الدين وكذا لاحظ اسبابا كاذبة تلوح في الافق تنفث شبهات الفتن على حساب سبحات النور الاسلامي ولقد وجد في مجتمعه شرائح كادت ان تفقد هويتها وانتمائها للاسلام بسبب طغيان العنف لبعض من ينتسب الى الاسلام فأظهرت ممارساتهم نوعا من الاستفزاز  والكراهية وكأن ضميرهم الوجداني اصطبغ بالبشاعة وآمن بالشناعة!، فجاء المظهر الخارجي خاليا من الجمال والجلال.
فالجمال في الدين مبثوث في العبادة، يعكس جمالا فور شروعه للعبادة وتزداد بهية الجمال بهاء اذا ازداد في مقامات العبودية الجمالية، حاليا في المساقات التعليمية يستخدم الجمال كتخصص يدرس في العلوم الانسانية التي تعني بالجمال كتجربة فنية معروضة باللوحات الجميلة، ويقول في احدى موضع الكتاب وهو يقدم حقائق الجمالية في الاسلام اكثر وضوحا وردا للتفسير الغربي (ان الجمالية الاسلامية تنبع اولا من حقائق الايمان اذ تشكل الوجدان الانساني بماتلاقاه من انوار عن رب العالمين الرحمن الرحيم وما انخرط فيه بعد ذلك سير الى الله تعالى عبر اشواق الروح مبدعا -باتباع تعاليم نبيه- اروع ألوان التعبير الجمالي من سائر اشكال العبادات والمعاملات والعلاقات.
في إحدى مشاهد الكتاب قارن الدكتور ماهية الجمال في الفكر الغربي والاسلامي، وكأن الدكتور أراد القول بأن الجمال عند الغرب عبادة!؛ فالتماثيل والأصنام المسخرفة بالبهاء اللامحدود والرونق صار عندهم الها له كامل العبودية فسُرقت قلوبهم بهذا الجمال!، وكلمة "استضيقا" نظيرة لمصطلح "الجمالية" وهي كلمة ولدت في رحم الفلسفة الغربية من الناحية الاصطلاحية، فانحصرت ترجمة الفلسفة الغربية عند الجمالية كمصطلح في الجانب الادراكي او ماهو مشاهد في "عالم الشهادة".
 ثم بعدها شرع الحديث عن الجمالية في الفكر الاسلامي فهي "صورة كلية شمولية ذات ألوان وأنوار حية متحركة!، إنها كاملة للأض بتضاريسها وبحارها وأشجارها وأنهارها وأحيائها جميعا ثم بفضائها الرحب الفسيح!" ولهذا صارت الدين الاسلامي الحنيف سير الى الله في مواكب الجمال!،  وذكر بأن جمالية الدين "مفهوم له امتداد كلي شمولي اذ يمتد ليغطي علاقات المسلم بأبعاده الثلاثة: علاقته مع ربه، وعلاقته مع الانسان، ثم علاقته مع البيئة، او الكون والطبيعة... ومايطبع ذلك كله من معاني الخير من الحبة والجمال وكل ذلك يدخل تحت مفهوم "العبادة" بمعناه القرآن الكلي الذي هو غاية الغايات من الخلق والتكوين".
لاحظ فضيلة الدكتور في أكثر من موضع من كتابه بتصرفات الفرق الصحوات الإسلامية وتصرفاتهم؛ إيمانهم بأنهم فقط ممثلوا الدين الاسلامي الحنيف!، وقد كرر الشيخ بإبراز خطائهم إلى السطح وأنهم بحاجة ماسة الى "تربية ذوقية فنية، ترهف حسها بمواطن الجمال الموجهة لكل شيء في هذا الدين، عقيدة وشريعة!، ولقد انتبه السابقون الى ذلك وانبهروا به فسارعوا الى الالتحاق بقوافل المحبين!".
 ثم حينما سادت ظاهرة التدين المغشوش كردة فعل سيئة وغير متوازنة لدى بعض المتدينين سواء كان في فهم الدين او انتهاج سلوكه فإن بعضا من طوائف "أبناء الصحوة الاسلامية اليوم قد تخشبت قلوبهم، وتشنجت أقوالهم، وتحجرت عيونهم، فكانوا مثالا للتدين الفج، والسلوك القبيح، والذوق المتردي!، ولقد استغل الإعلام المغرض هذه الحالات الشاذة المنحرفة، فكان ان انطبع في فهوم كثير من الناس!".


خاص لمجموعة رواد الوعي

ليست هناك تعليقات:

كافة الحقوق محفوظة ©مدونة رواد الوعي